الحكومة الإلكترونية (E-Government) ... بين تحديات البنية التحتية وممارسة الإلكترورقية... أو التحول إلى الحكومة الذكية.
(عرض المفاهيم الخاصة بالحكومة الإلكترونية وطرق التحول إليها، ودورها في ترشيد الإدارة، وتوضيح أهميتها من خلال الاستثمارات القادمة في الشرق الاوسط والمرتبطة بالتجارة الإلكترونية)
---------------------------------------
رافق دخول الثورة التكنولوجية والمعلوماتية المعاصرة العديد من التغيرات في مختلف المجالات  - السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التقنية-، وصاحب ذلك ظهور موجة من المفاهيم الجديدة، ومنها مفهوم "الحكومة الإلكترونية". هذا المفهوم شكل دافعاً رئيسياً وأحدث نقلة نوعية لإيجاد نماذج أخرى تعمل على تحويل الحكومة التقليدية الورقية البيروقراطية إلى أنظمة إلكترونية مرنة متوفرة على مدار الساعة (24/7). وفي ظل التطورات والتغيرات الإستراتيجية والاقتصادية العالمية المتسارعة، لم يعد التحول الى الحكومة الإلكترونية امراً أختيارياً،  بل أصبح إلزامياً وحيوياً لكي يتماشى مع التغيرات القائمة ويتوافق مع مفهوم الإدارة الحديثة. وانطلاقاً من مبدأ أن "أفضل حكومة هي تلك التي يوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة"، والذي يتحقق من خلال التغيير المؤسسي والتنظيمي، وينبع من تحسين العمليات والإجراءات، وتقديم الخدمات عالية الجودة، سنطرح ونناقش مفهوم الحكومة الإلكترونية الذي يمثل حجر الزاوية لتجويد وتطوير أعمال المؤسسات والقطاعات المختلفة. في هذا المقال  سأحاول تقديم نبذة مبسطة عن الحكومة الإلكترونية من زوايا مختلفة، عن طريق الإجابة على بعض التساؤلات، منها:  ماهية الحكومة الإلكترونية؟، وما أهمية التحول إلى الحكومة الإلكترونية؟، ما هي الفوائد المرجوة من الحكومة الإلكترونية؟، ماذا يعني كاتب المقال بما اسماه بالحكومة الإلكترورقية؟، وماهي خصائص الحكومة الإلكترونية؟، وما هي العوائق والتحديات التي تحول دون تطبيق الحكومة الإلكترونية؟، وماهي متطلبات التحول إلى الحكومة الإلكترونية؟، وما هي المراحل التي يجب اتباعها للتحول إلى الحكومة الإلكترونية؟. كما ان التساؤلات ستتواصل؛ لكي ننقب عن زوايا هامة اخرى، مثل: ماهي العوامل المساعدة للتحول إلى الحكومة الإلكترونية؟، وكيف يمكن قياس جودة الخدمات الإلكترونية المقدمة؟، وما هي مؤشرات قياس اداء الحكومات الإلكترونية؟، وما هي التوجهات الحالية لتطوير الحكومة الإلكترونية؟ وماذا نعني بالحكومة الذكية؟، واخيراً، ما هي الاستثمارات القادمة في الشرق الاوسط والمرتبطة بالتجارة الإلكترونية؟، ولماذا أصبح توافر الحكومة الإلكترونية ضرورة اقتصادية؟.

خرج هذا المفهوم سنة 1999م، في احدى خطابات الرئيس الامريكي السابق "بيل كلينتون"، ورافق ذلك  العديد من التفسيرات، والتعريفات، ووجهات النظر المختلفة حول هذا المفهوم، فهنالك من يرى انها خدمات إلكترونية تقدمها الدولة عبر الإنترنت، ومنهم من يرى انها إعادة هيكلة المؤسسات وميكنتها ومن ثم تكاملها مع بقية المؤسسات، ومنهم من يرى انها الإدارة العامة بصيغتها الإلكترونية، ومنهم من يرى وضع المعلومة في متناول الأفراد، والأخرون يرون قدرة القطاعات الحكومية على تبادل المعلومات وتقديم الخدمات، وجميع التفسيرات السابقة سليمة وصحيحة. ومن أجل أن نضفي الطابع المعياري لتعريف المفهوم، سنعرض تعريف الأمم المتحدة عام 2002م للحكومة الإلكترونية، والذي ينص بان "الحكومة الإلكترونية هي استخدام الإنترنت والشبكة العالمية العريضة لتقديم معلومات وخدمات الحكومة للمواطنين"، وكذلك تعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لعام 2003م بان "الحكومة الإلكترونية هي استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخصوصاً الإنترنت للوصول إلى حكومات أفضل". ومن وجهة نظر كاتب المقال، فإن الحكومة الإلكترونية عبارة عن تقديم خدمات المؤسسات والقطاعات المختلفة بشكل إلكتروني، وربط وتكامل مختلف القطاعات داخلياً مع بعضها البعض، وخارجياً مع الحكومات الاخرى باستخدام منصات عمل تكنولوجية عبر الشابكة –اي الإنترنت-؛ وذلك لتبادل المعلومات، وتقديم الخدمات بجودة عالية وبأقل تكلفة، والاتصاف بالشفافية والدقة والسرعة مع ضمان خصائص الجودة المتمثلة بالموثوقية والسرية و....غيرها من الخصائص.

تتسم الطرق التقليدية الورقية البيروقراطية بالإجراءات الروتينية المملة، وبفقدان المعاملات وضياع الوقت والجهد والإنتظار طويلاً لتلقي ابسط الخدمات، والكثير منا قد عانى من تلك الاشكاليات بشكل مباشر أو غير مباشر. ولعل أهمية  الحكومة الإلكترونية تكمن بالتخلص من تلك المعاناة من خلال الحصول على الخدمات والمعلومات والمعاملات على مدار الساعة وبأقل جهد ممكن، دون ضياع للوقت والجهد او فقدان للمعاملات. تقدم الحكومة الإلكترونية الفاعلة -اي التي ليست "إلكترورقية"- العديد من الفوائد، منها: انها تساعد في ترشيد الإدارة العامة وتقليل الفساد المالي والإداري، ورفع مستوى المرونة والانسايبة والوضوح في إجراءات أعمال المؤسسات، ورفع كفائتها وفعاليتها،  وتقديم خدمات متميزة مرنة للمستفيدين النهائيين على مدار الساعة، وكذلك رفع مستوى الشفافية. كما تساعد الحكومة الإلكترونية في جوانب اخرى مثل رفع مستوى رضا المستفيدين –المواطنون والمؤسسات بمختلف أنواعها-، وتحفيف الضغط على جميع المرافق الحكومية. وتسهم الخدمات الإلكترونية بعملية توفير كافة المعلومات، وتخفيض الوقت والجهد، والتوثيق الإلكتروني الذي يعمل على عدم فقدان اي معاملات، وتوفير الهدر المالي المكتبي، وبالتالي تخفيف الأعباء المالية على الدولة.  تصنف خدمات الحكومة الإلكترنية بناءً على الجهة المستقبلة للخدمة إلى: خدمات إلكترونية من الحكومة إلى المواطن (G2C)، وخدمات إلكترونية من الحكومة إلى المؤسسات والشركات (G2B)، وخدمات إلكترونية من الحكومة إلى الموظف (G2E)، وخدمات إلكترونية بين الدول او الحكومات (G2G)،وغيرها من النماذج التي تظهر تباعاً.


وسأوضح في هذا المقال ماذا اعني بما اطلقت عليه الحكومة "الإلكترورقية"، اعني بذلك الأتمتة الجزئية لأعمال المؤسسات بحيث يصبح هنالك أزدواجية بين العمل الإلكتروني والعمل التقليدي الورقي لإنجاز أي خدمة مقدمة. واقعياً، تؤدي الأزدواجية بين العمل الإلكتروني والعمل الورقي التقليدي إلى فقدان الحكومة الإلكترونية لجوهرها؛ حيث يتطلب ذلك تقديم إلكتروني، وطباعة اوراق، ومتابعة حضورية، وبالتالي يفقد المفهوم رونقة وتقل أو تنعدم الفائدة المرجوة. ونعني بالإلكترورقية كذلك عدم ميكنة إجراءات أعمال المؤسسات بشكل صحيح، بحيث يضمن الكفاءة والفعالية والانسيابية والمرونة، بل ميكنة الإجراءات كما كانت عليه بنظامها البيروقراطي السابق الممل، دون تحسين أو تطوير للإجراءات أو العمليات. ولذا، ينتهي المطاف بعدم رضا المستفيد النهائي عن الخدمات الإلكترونية المقدمة، وعدم الاستفادة من التكنولوجيا بالأسلوب الصحيح، ويصبح العمل ممزوجاً بالبيروقراطية، لا هو بصيغتة الإلكترونية، ولا هو بشكله التقليدي الورقي، مما يؤدي إلى عدم وجود الشفافية والمرونة والكفاءة والفعالية والانسيابية في تقديم تلك الخدمات.

لا بد من توافر بعض الخصائص لكي نطلق على الحكومة بانها إلكترونية –أي ليست إلكترورقية-، ومن تلك الخصائص: الترابط والتكامل الإلكتروني بين مختلف الدوائر الحكومية، وتوافر المعلومات وجميع المتطلبات والنماذج بصيغة إلكترونية على بوابة الخدمات الإلكترونية للحكومة، وسهولة الحصول على المعلومات المراد الاستعلام عنها من قبل المستفيدين النهائيين، وأن تكون البوابة الحكومة الإلكترونية بمثابة النقطة الخدمية الرئيسية للمستفيدين، وغياب التعاملات الورقية، وكسر الحواجز الزمنية والجغرافية للحصول على الخدمات بمختلف أنواعها.

تطبيق الحكومة الإلكترونية ليس بالامر السلس والسهل؛ بل هو عمل صعب يتطلب جهد كبير وإرادة قوية؛ حيث ان الحكومات تواجه الكثير من التحديات والعوائق التي تحول دون تطبيق الحكومة الإلكترونية بشكلها السليم والفعّال، ومنها: ضعف البنية التحتية -بشكل عام سواءً الاتصالات أو الكهرباء أو نسبة تغطية الشبكة للمناطق الجغرافية-، ومقاومة بعض المؤسسات والأجهزة الإدارية للتغيير أو للتحول إلى الشكل الإلكتروني (نظراً لوجود مصالح شخصية في استمرار اجراءات العمل التقليدية اليدوية)، وغياب التشريعات المرتبطة بالتعاملات الإلكترونية، وتفشي الأمية الحاسوبية، وعدم توافر الثقافة المعلوماتية وطريقة الحصول على الخدمات الإلكترونية بين أوساط المجتمع، والمخاوف المرتبطة بخصوصية وحساسية البيانات والمعلومات. وهناك تحديات اخرى ترتبط بمستوى توافر الاجهزة الحاسوبية بين عامة المجتمع، ومستوى خدمات الإنترنت المقدمة، واسعارها بالنسبة لدخل الفرد. ومما لاشك فيه ان عدم التوعية والتعريف بماهية الحكومة الإلكترونية وفوائدها وأهميتها بين اوساط المجتمع، يسهم بصورة أو بأخرى من تقليل نجاح تفعيل الحكومة الإلكترونية بالشكل الصحيح.

ولكي يتم التحول إلى الحكومة الإلكترونية، لابد من التجهيز والإعداد وتحديد المتطلبات بشكل مسبق، و أول تلك المتطلبات هو التغلب على التحديات والعوائق آنفة الذكر. ثم يلي ذلك مجموعة من الإجراءات اللازمة للتحول، ومنها: قياس مدى جاهزية البنية التحتية التكنولوجية للدولة، ومدى جاهزية مختلف القطاعات الحكومية، وتحديد الاولويات -اي المؤسسات التي ستبدأ باطلاق الخدمات الإلكترونية-. وبشكل متوازي يتم التوعية عن ماهية الحكومة الإلكترونية وأهميتها ومزاياها، وكيفية الاستفادة منه، وعن سمات المجتمع الرقمي. بعد ذلك يتم إعادة هيكلة المؤسسات بما يتلائم مع تحسين العمليات بصيغتها الإلكترونية، ومن ثم ميكنة أعمال الوزارات والقطاعات والهيئات والوحدات الادارية المختلفة، وربطها مع بعضها البعض باستخدام التقنيات والطرق والاساليب الحديثة، والمتمثلة حالياً بمعمارية الخدمة الموجهه (SOA)، أو غيرها من المنهجيات. ويجب نشر المعلومات المساندة عن كيفية الحصول على الخدمات الإلكترونية المقدمة، وتشجيع القطاعات الخاصة إلى التحول الإلكتروني من خلال توفير بيئة تكنولوجية مناسبة وآمنه.

بالتأكيد ان الانتقال إلى الحكومة الإلكترونية يكون بشكل تدريجي ويمر عبر أربع مراحل رئيسية تتمثل بـ: (1) توافر المواقع الإلكترونية لمختلف المؤسسات وتوافر جميع متطلبات وإجراءات الحصول على الخدمة، (2) وإتاحة تقديم الطلبات للمستفيدين من خلال النماذج الإلكترونية المختلفة، (3) وإتاحة تتبع المعاملات الإلكترونية وعمليات الدفع الإلكتروني، (4) واخيراً تكامل المؤسسات والقطاعات والهيئات والوحدات المختلفة في تبادل المعلومات وتقديم الخدمات الإلكترونية للمستفيدين النهائيين. وبما ان هنالك عوائق وتحديات، بالمقابل هنالك عوامل محفزة ومساعدة ومساندة تسهم في التحول إلى الحكومة الإلكترونية بشكل أسرع وأفضل، ومنها: وجود البنية التحتية المكتملة سواءً للاتصالات او الكهرباء، وتوافر الشبكة في جميع المناطق الجغرافية التابعة للدولة، وتوافر أجهزة الحاسب الآلي لدى أغلبية افراد المجتمع؛ وذلك بمساهمة الدولة بتخفيض اسعار الأجهزة، والمساهمة كذلك بخفض سعر الإشتراك بالإنترنت لجميع شرائح المجتمع، وتوافر نقاط الدخول للشبكات من مختلف الاماكن وفي مختلف المؤسسات والقطاعات والإدارات، ووجود الثقافة المجتمعية بخصوص الوصول للخدمات الإلكترونية والاستفادة منها.

يوجد العديد من المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس جودة الخدمات الإلكترونية المقدمة من قبل أي دولة، ومن تلك المؤشرات: سهولة وسرعة الوصول إلى الخدمات الإلكترونية، مدى توافر الخدمة على مدار الساعة، مدى رضا المستفيد عن مستوى الخدمة المقدمة، مدى توافر المعلومات والمتطلبات للحصول على الخدمة، ومدى الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة من مختلف المؤسسات والقطاعات، ومستوى خصوصية وآمان البيانات، ومستوى التكامل بين المؤسسات والقطاعات بمختلف أنواعها وارتباطها مع بعضها البعض، ومدى اكتمال الخدمات بشكلها الإلكتروني من مرحلة التقديم إلى تتبع الحالة إلى الدفع وغيرها من الإجراءات.

أضحت معظم الحكومات في مختلف بلدان العالم إلكترونية، ووجدت مؤشرات عدة لقياس اداء تلك الحكومات الإلكترونية مثل قياس المشاركة الإلكترونية من خلال توافر المعلومات الإلكترونية، وصناعة القرارات الإلكترونية، والاستشارات الإلكترونية، وكذلك عدد الخدمات المقدمة، و...غيرها من المؤشرات. بالإضافة إلى ذلك، تصدر إدارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة  (UNDESA) تقريراً سنوياً عن تطور ممارسات الحكومة الإلكترونية وإسهامها في تحقيق أهداف التنمية المعتمدة؛ وذلك باستخدام مجموعة من المؤشرات ، منها: مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية (EDGI)، والذي بدورة يتضمن على مؤشرات فرعية مثل مؤشر الخدمات الإلكترونية (OSI)، ومؤشر البنية التحتية للإتصالات (TII)، ومؤشر رأس المال البشري (HCI وبالطبع كل مؤشر له العديد من المعايير الخاصة مثل عدد الخدمات الإلكترونية المقدمة، عدد المشتركين في الإنترنت، عدد المشتركين في خدمات النطاق العريض اللاسلكية، و.... الخ.  ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة لسنة (2016م) عن تطور ممارسات الحكومات الإلكترونية لـ 193 دولة؛ حصل على المرتبة الاولى المملكة المتحدة وعلى المرتبة الثانية أستراليا، بينما حصلت خمس دول آسيوية على مراتب ضمن قائمة الثلاثين الأولى، ومن تلك الدول في الشرق الاوسط مملكة البحرين المرتبة رقم 24، ودولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة رقم 29، كما ان هنالك دول عربية اخرى حصلت على مراتب ضمن قائمة الخمسين الاولى مثل المملكة العربية السعودية ودولة قطر، كما هو موضح في الصورة الأولى ادناه. اما اليمن فقد حصلت على الترتيب 174 ضمن ترتيب قائمة الـ 193 دولة -أي يفصلها عن إحراز المرتبة الأولى من نهاية القائمة 19 دولة فقط-، كما هو موضح في الصورة الثانية ادناه. والسؤال الذي يطرح نفسه، ونتسأل به دائماً، لماذا لا يكون ترتيبنا قريب من ترتيب الدول المحيطة بنا؟!!،  لماذا لا يتم الاستعانة بالكوادر الوطنية المؤهلة والمتميزة في هذا المجال؟ّ!!، علماً ان لدينا من الكوادر المتخصصة في هذا المجال من ساهمت في بناء وتحسين الخدمات الإلكترونية في مختلف الدول، بل انها قادرة على إنشاء مراكز دراسات متخصصة في هذا المجال لتقديم مختلف الخدمات، من وضع الإستراتيجيات، وتقديم الاستشارات، وعمل التحليل الفني، ومساعدة الدوائر والمؤسسات والقطاعات المختلفة للتحول الإلكتروني، وصولاً إلى التدريب.

قطعت دول كثيرة أشواطاً كبيرة في مجال ممارسة وتحسين الحكومة الإلكترونية، والتحول إلى مجتمعات رقمية وأعمال إلكترونية، وحققت مراتب متقدمة ضمن القوائم المتصلة بمؤشرات الاداء آنفة الذكر، ومنها من طبق مفهوم "الحكومة الذكية"، ومنها يتوجه ويسعى للتحول إلى المفهوم قريباً. وبطبيعة الحال فإن مفهوم الحكومة الذكية هوتطور لمفهوم الحكومة الإلكترونية؛ وذلك نظراً لظهور مفهوم "إنترنت الأشياء"، حيث اصبحت جميع الاشياء في عالمنا اليوم تصدر البيانات وتتصل ببعضها البعض. كما أصبحت الأجهزة الذكية متوفرة بمختلف أنواعها، وفي متناول جميع افراد المجتمع؛ مما عزز وساهم بالحصول على الخدمات الإلكترونية وتتبعها من اي مكان،  وفي اي وقت. وبالتالي، هنالك تسارع وتنافس بين معظم الحكومات -في وقتنا الحالي- على توفير التطبيقات/البرمجيات الذكية التي تعمل على مختلف الاجهزة الذكية؛ وذلك لتقديم خدمات إلكترونية أفضل واسرع، وبجودة عالية، وبأقل تكلفة ممكنة.

قبل الختام، لم تعد الحكومة الإلكترونية خياراً بل أصبحت ضرورة ملحة للتماشي مع الاقتصاد والسياسة والإستراتيجيات العالمية الحديثة؛ حيث ان راس المال الجديد والكنز الثمين الذي سيحدد ملامح الاقتصاد القادم يتمثل بالمعلومات. تشير الاحصائيات إلى ان هنالك استثمارات اقتصادية قادمة بمليارات الدولارات في الشرق الاوسط وذلك نتيجة لنمو اسواق التجارة الإلكترونية. وتشير التوقعات الاقتصادية إلى ان حجم سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الاوسط سوف ينمو بشكل متزايد،  ليصل فقط بدول مجلس التعاون الخليجي إلى 73.4 مليار دولار بحلول 2020م. ومن المثير للاهتمام انه قبل يومين حققت منصة تجارة إلكترونية واحدة –منصة علي بابا- مبيعات قياسية في يوم واحد "يوم العزاب"، ما تجاوز قيمتها 25 مليار دولار، أي بما يزيد بكثير عن اجمالي الناتج المحلي لبعض الدول العربية، بل بما يزيز عن ميزانية بعض الدول الاخرى!!!. بالتأكيد ان مثل تلك الاستثمارات القادمة والمعتمدة على الأعمال/التجارة الإلكترونية ستتطلب وجود بنية تحتية تكنولوجية قوية، وحكومة إلكترونية مكتملة -أن لم تكن ذكية-، وكذلك تحتاج إلى توافر الركائز الاساسية  الثلاثة الخاصة بالتجارة الإلكترونية والمتمثة بتوافر بنية إلكترونية قوية للمؤسسات، وتوافر بوابات الدفع الإلكترونية، وتوافر نظام العناوين الفيزيائية أي وجود ترقيم وعناوين لكل مؤسسة أو بيت ضمن اطار الدولة.

ختاماً، واكبت كثير من الدول التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية، واستجابت لذلك من خلال تحسين البنية التحتية التقنية، والتحول إلى الحكومة بصيغتها الإلكترونية، وتقديم الخدمات الإلكترونية بواسطة مختلف المؤسسات والقطاعات؛ وذلك ادراكاً لما لهذا التحول من أثر في الجانب الاقتصادي، وأثر في تحسين وتطوير الأعمال والإجراءات الإدارية، وبالتالي تخفيف الأعباء على مختلف المرافق الحكومية، ورفع مستوى جودة الخدمات، وترشيد الإدارة، وكسب رضا المستفيدين. تدرك معظم الدول بان الكنز الثمين والاستثمار القادم هو بتوافر البيانات والمعلومات، وتعكف على تهيئة البنية التحتية المناسبة، وتوفير البيئة الملائمة لتشجيع المجتمع على التعامل مع الخدمات الإلكترونية المقدمة؛ وذلك لجمع البيانات، وتنظيمها، وأرشفتها، وتنقيبها، فنحن في عصر ثورة المعلومات. لذا أصبح لزاماً على الدول المتأخرة اللحاق بالركب من خلال التحول من الحكومات التقليدية إلى الحكومات الإلكترونية، ومن ثم إلى الحكومات الذكية؛ وذلك تماشياً مع الإستراتيجيات العالمية والثورة التكنولوجية القائمة. أما الدول التي ما زالت تعايش العصور الوسطى، ولاتتوافر لديها بنية تحتية كهربائية عوضاً عن بنية تحتية تكنولوجية، أقول لها حان الوقت للخروج من السبات الطويل، والعمل بشكل جدي على تهيئة البنية التحتية المناسبة -بمختلف أنواعها-، والتحول تدريجياً إلى الحكومة الإلكترونية؛ لان هنالك بلورة وتكوين لنظام عالمي جديد على مختلف الاصعدة الاقتصادية والسياسية،و.... -وقد تتغير حتى العملة إلى عملة إلكترونية في قادم الأيام-، يعتمد على التكنولوجيا والتكامل والترابط، وعلى الخدمات الإلكترونية، وعلى توافر البيانات والمعلومات.
-----------------------------
كتب: همدان محمد الصبري
------------------------------
للمهتمين في المجال: نشرت في وقت سابق -2013م- اوراق علمية في دوريات محكمة عن الحكومة الإلكترونية، منها ورقة علمية عن "الحكومة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية: تحليل حول الحاضر والمستقبل"، متوفرة على محرك البحث جوجل/غول تحت عنوان:

كما ان هنالك اكثر من عرض تقديمي على حسابي في (ٍSlideshare)، يبين مفهوم الحكومة الإلكترونية:


Comments

Popular posts from this blog

كتاب " تكامل عمليات الأعمال مع نظام تخطيط موارد المؤسسات SAP ERP " ترجمة د.صالح السليم، د. همدان محمد الصبري

تفكيك وتفريخ القوى، وتجميع ومراكمة المشاكل!!!