للمهتمين: من باحثين وطلاب دراسات عليا
الكتابة الأكاديمية …. بين معاناة الصياغة ومعوقات اللغة
(الإجابة عن العديد من التساؤلات المرتبطة بالكتابة الأكاديمية سواءً للأوراق أو الرسائل العلمية، وفي نهاية المقال توصية بأحد اهم المراجع المتميزة والمفيدة جداً للكتابة الأكاديمية باللغة الانجليزية؛ حيث ان المرجع يتضمن على العديد من الجمل/العبارات لجميع أجزاء/مكونات الأوراق/الرسائل العلمية، والمصاغة بطريقة أكاديمية، ومتعارف عليها عالمياً، ولا تعد ضمن الانتحال العلمي)
------------------------------------------
للكتابة أهمية بالغة في كونها أداة فاعلة للاتصال، ومنهجية للتوثيق، وقناة مخصصة لنقل الأفكار من شكلها الضمني –المخزن في العقل البشري- المتمثل بالتصورات، ووجهات النظر، و كل ما يدور في خلد الكاتب إلى شكله النصي المكتوب الواضح للقارئ. هنالك العديد من أنوع الكتابات ومنها:  الكتابة الصحفية، الكتابة الأدبية، الكتابة الأكاديمية، و.... غيرها، ولكل مجاله واختصاصه وفئاته المستهدفة. في هذا المقال سنركز على الكتابة الأكاديمية؛ كونها تكتسب أهميتها ورونقها من ارتباطها الوثيق بالبحث العلمي.

وانطلاقاً من مبدأ ان "السؤال هو باب المعرفة"، سنطرح العديد من التساؤلات عن الكتابة الأكاديمية، منها: ما هية الكتابة الأكاديمية/العلمية؟ و في ماذا تستخدم؟، وماذا نعني بالأوراق/الرسائل العلمية، وماهي مكوناتها أو أجزائها ؟، وما هي مراحل كتابتها؟، وهل هنالك ادوات برمجية مساعدة؟. وقد يتساءل الباحث المبتدئ عن سمات الكتابة الأكاديمية؟، وفئاتها المستهدفة؟، وماهي خصائص الباحث/الكاتب الأكاديمي المتميز؟. ونحن بدورنا سوف نوسع مجال التساؤلات، حتى يكون هذا المقال شامل وكامل، ونجيب عن بقية التساؤلات المتمثلة بـ: ماهي المشاكل والتحديات التي يواجهها الباحث/الكاتب عند البدء في الكتابة الأكاديمية؟، وما متطلباتها اللغوية؟، وما هي المؤشرات التي تساعد في قياس الكتابة الأكاديمية الجيدة؟، وهل للكتابة الأكاديمية دور في قبول الأوراق العلمية؟، واخيراً، ما هو المرجع الذي يوصي/ينصح به كاتب هذا المقال لإجادة الكتابة الأكاديمية؟.

الكتابة الأكاديمية هي عبارة عن أسلوب تعبيري، ومنهجية علمية معتمدة يتبعها الباحثون لشرح محاورعديدة في مجالهم؛ حيث تتضمن عرض الفكرة البحثية، وملخصها، وتوصيف المشكلة، ومنهجية الحل، ومناقشة النتائج التي تم التوصل إليها، وانتهاءً بالخاتمة والآفاق المستقبلية، وقائمة المراجع. تختلف الكتابة الأكاديمية عن اي كتابة أخرى بأن لديها طرق وأساليب، ومنهجيات، ومصطلحات تقنية معينة ضمن سياق المجال،وتلتزم بقواعد وضوابط محددة. وعادةً ما تسمى الكتابة الأكاديمية بكتابة الباحثين أو العلماء أو طلاب العلم أو المتخصصين.



تستخدم الكتابة الأكاديمية في كتابة  الرسائل العلمية أو الاوراق العلمية بمختلف أنواعها، وذلك بغرض حل مشكلة معرفية أو الحصول على درجة علمية، أو الحصول على ترقية أكاديمية، أو نقل المعرفة من خلال النشر في مؤتمرات او دوريات علمية محكمة. ولا بد لنا هنا من التعريف بالأوراق والرسائل العلمية وأجزاء كلً منهما. فالورقة العلمية عبارة عن تقرير مصاغ بشكل أكاديمي، يعرض مشكلة ضمن مجال معين، ويصف خطوات حل تلك المشكلة والنتائج التي تم الحصول عليها. الغرض من نشر الاوراق العلمية هو توسيع النطاق المعرفي، وفتح آفاق بحثية مستقبلية. تتكون الأوراق العلمية من أحد عشر جزءً رئيسياً،  تختلف وفقاً لنوع الورقة العلمية، وتحتوي تلك  الأجزاء على (العنوان، الملخص، الكلمات الدلالية، المقدمة، الدراسات الأدبية السابقة/ الأطار النظري، منهجية الحل، النتائج، المناقشة، الخاتمة والآفاق المستقبلية، قائمة المراجع). هنالك اكثر من عشرين نوع من الأوراق العلمية منها على سبيل المثال: مقال استعراضي، بحث اصيل، رسالة الى محرر، أتصال قصير، ووو غيرها. كما  تتكون الورقة العلمية من العديد من الصفحات؛ حيث يتم تحديد الحد الادنى والاقصى لعدد الصفحات من قبل وعاء النشر المتمثل بالدوريات العلمية المحكمة. وكل جزء/مكون من الورقه العلمية له تصنيفات وطرق متعددة، وفقاً للتخصص والمجال،  فعلى سبيل المثال: هناك أربعة انواع من الملخص (ملخص تعريفي، ملخص وصفي، ملخص اجرائي، ملخص مزيج بين الثلاثة السابقة). كما أن معظم الدوريات العلمية المحكمة لديها قوالبها –هيكل الورقة العلمية- ولوائحها الارشادية الخاصة بها.

بينما تُعرف الرسالة/الأطروحة العلمية على أنها كتيب/نشرة علمية تحتوي معلومات جديدة لمعالجة أو مناقشة قضية محددة ضمن مجال معين. تتكون الرسالة العلمية من ستة فصول–يزيد او يقل حسب المجال-: (ملخص الرسالة، الكلمات الدلالية، المقدمة،  الدراسات الأدبية السابقة/ الإطار النظري –قد يكون فصل واحد او اكثر-، منهجية الحل –فصل واحد او اكثر-، النتائج، مناقشة النتائج، الخاتمة والآفاق المستقبلية، قائمة المراجع). وقد يتساءل البعض ما هي العلاقة الرابطة بين الورقة العلمية والرسالة العلمية؛ والعلاقة تتمثل بأنه يمكن نشر اكثر من ورقة علمية مستلة من الرسالة العلمية.

وفي وقتنا الحاضر، ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هنالك العديد من الأدوات البرمجية المساعدة في جميع مراحل كتابة الاوراق العلمية ابتداءً من اختيار فكرة البحث، ومروراً بكتابة البحث، وتوثيق المراجع، ومراجعة البحث وقياس مدى التشابة أو نسبة الاقتباس، وانتهاءً بالنشر. وفي هذا المقال سوف يقتصر حديثنا عن كتابة البحث بالصياغة الاكاديمية. ومن الأدوات البرمجية المساعدة لكتابة الاوراق العلمية: محرر النصوص ورد (word)، أو برمجية (Scrivener)، أو برمجية (latex)، او برمجية (Docear4Word).

بالتأكيد أن للكتابة الأكاديمية خصائصها ومحاورها ومكوناتها وطرق الصياغة الخاصة بها. فالكتابة الأكاديمية تتسم بالدقة، والوضوح، والبساطة، والموضوعية، والسلامة اللغوية، والحيادية، وعدم التكرار، والتناسق، والإلتزام بقواعد وشروط الكتابة العلمية. وعادةً ما تكون الكتابة الأكاديمية موجهة لفئة وجمهور معين، وتستهدف قراء متخصصين في سياق المجال، ومنهم: الباحثون، والأكاديميون، والمؤسسات البحثية والأكاديمية، وطلاب الدراسات العليا، .... وغيرهم.

هنالك العديد من الخصائص والسمات التي يتصف بها الباحث/الكاتب الأكاديمي المتميز، ومنها: التطلع إلى إضافة معرفة جديدة، والموضوعية في الطرح مع التدعيم بالأدلة، والتفكير خارج الصندوق، والقراءة المتأنية العميقة التي تساعد على التحليل والنقد. الباحث/الكاتب الأكاديمي المتميز ليس أنتقائياً، ولا عشوائياً في إلتقاط المصطلحات التقنية المرتبطة بالتخصص، وإنما دقيقاً في التوصيف ملمًّا بالمجال بشكل كامل. الباحث الأكاديمي المتميز يتحلى بالأمانة العلمية وبأخلاقيات البحث العلمي، ولا يأخذ من الآخرين إلا باستخدام علامات التنصيص. يمتلك الباحث الأكاديمي المتميز العديد من القدرات المتمثلة في اختيار الأبحاث ذات التوجهات المستقبلية، وجمع البيانات، ونقد الدراسات العلمية السابقة، وعرض وجهات النظر المختلفة، والقدرة على الملاحظة والتدقيق من خلال الفهم العميق. كما ان من اهم سماته هو التحليل، والمقارنة، والربط، والإستنتاج. الباحث الأكاديمي المتميز يقدم وينشر نتائج البحث كما هي دون تعديلاً اوتزييفاً أو انتقاء.  

يعلم ويدرك الباحثون الممارسون للكتابة الأكاديمية بأن هنالك العديد من المشاكل والتحديات التي يواجهها الباحث الأكاديمي المبتدئ -الناطق باللغة العربية-، ومن تلك المشاكل: معوقات اللغة، عدم المعرفة بطريقة صياغة الكتابة الأكاديمية، عدم وجود خلفية تعبيرة أكاديمية، وتأثر الباحث ضمن بيئة كتابية محددة. كما يفتقر الباحث إلى منهجيات وأساليب الكتابة الأكاديمية التي تساعدة على عملية عرض الأفكار وربطها، ومناقشة النتائج وفقاً للأسس العلمية المتبعة في الكتابة الأكاديمية. لم يعد يخفى على أحد بأن معظم الدوريات العلمية المحكمة –اذا لم يكن الكل- ضمن معهد المعلومات العلمية ((Institute for Scientific Information (ISI)  هي دوريات بلغة غربية، واغلبها باللغة الإنجليزية وليست بالعربية.

وبالتالي، فان هنالك متطلبات لغوية للكتابة الأكاديمية، منها: مهارات الكتابة باللغة الإنجليزية، والمعرفة التامة بالمفاهيم التقنية في المجال، وسلامة المعاني والدلالات المستخدمة في الكتابة، والتراكيب السليمة والصحيحة للجمل والعبارات، والتوظيف السليم لأدوات الربط والتناقض، وسلامة الصياغة اللغوية، .... وغيرها من المتطلبات. ويمكن استخدام قواعد وضوابط الكتابة الأكاديمية كمؤشرات لقياس الكتابة الأكاديمية الجيدة. وبالتالي، يجب على الباحث/الكاتب الأكاديمي التقيد بقواعد وضوابط الكتابة الأكاديمية، ومنها: السلامة اللغوية، والصياغة الأكاديمية، وأن يتم ذكر المراجع والإستشهادات، حيث ان نقل أربع كلمات متجاورة يتطلب الإشارة إلى المصدر؛ وذلك وفقاً لما هو متبع في معظم الجامعات ومراكز البحوث المرموقة. ويجب ان تكون الأوراق أو الرسائل العلمية ضمن نطاق التشابة او الاقتباس المسموح به؛ حيث ان هنالك العديد من الأدوات البرمجية حالياً التي تستخدم لقياس نسبة التشابه/الاقتباس مثل (DupliChecker, Plagiarisma, PlagiarismChecker, Viper, WriteCheck, and iThenticate, Turnitin)

قد يتساءل الباحث المبتدئ إلى اي مدى تسهم جودة الكتابة الأكاديمية في قبول الأوراق العلمية؟. وهنا أقول، بالتأكيد ان أحد المعايير الهامة عند مراجعة الورقة/الرسالة العلمية من قبل المراجعين هي طريقة الصياغة -الكتابة الأكاديمية-. ومن تلك المعايير التي ترتبط بالكتابة الاكاديمية: معيار الاخطاء اللغوية، معيار الكتابة الأكاديمية، ومعيار جودة الاتصال (Quality of Communication). وللتبسيط يمكن أن نضع تلك المعايير على شكل تساؤلات:  هل تُعبر الورقة/الرسالة العلمية بوضوح عن مجالها؟، هل المصطلحات التقنية المستخدمة في  الورقة/ الرسالة مناسبة للقراء المتخصصين في المجال؟، هل تم إيلاء الاهتمام لوضوح التعبير وقابلية القراءة، مثل بنية الجملة، واستخدام المصطلحات، والاختصارات، الخ؟، هل الصياغة أكاديمية؟، وجميع تلك التساؤلات تنصب حول مفهوم الكتابة الأكاديمية.


ختاماً، ننصح/نوصي وبشدة باستخدام كتاب بعنوان "بنك العبارات الأكاديمية" للمؤلف الدكتور/ جون مورلي، سنة 2014م، جامعة مانشستر. حيث يمكن البحث عن الكتاب في محرك البحث جوجل/غوغل وتنزيله مباشرة (الكتاب متاح للتنزيل).
John Morley, "Academic Phrasebank", 2014, the University of Manchester))
حجم الكتاب صغير (73 صفحة)، ويتكون الكتاب من ثلاثة اجزاء رئيسية: الجزء الاول يناقش الاجزاء الرئيسية للكتابة الأكاديمية(كيف يتم الإشارة للدراسات السابقة، وكيف تصف الطرق، وكيف تظهر النتائج وتناقشها، وكيف تكتب الخاتمة، ووو...)، بينما الجزء الثاني يتناول الوظائف العامة للكتابة الأكاديمية (كيف تعرف المصطلحات، وكيف تصف التوجهات العلمية والكميات، وكيف تقوم باعطاء امثلة توضيحية للدعم،ووو). اخيراً، يعرض الجزء الثالث ملاحظات على الكتابة الأكاديمية (الانماط الاكاديمية، وعلامات الترقيم، وهيكل الجمل، وهيكل الفقرة وووو...). سيفيد هذا الكتاب في كتابة الأوراق والرسائل العلمية بطريقة أكاديمية؛ حيث يمتاز الكتاب بان الجمل/العبارات المذكورة فيه متعارف عليها عالمياً، ولا تعد انتحالاً علمياً، ولا تحسب من ضمن الاقتباس او ضمن التشابه عند استخدام ادوات قياس الانتحال العلمي.
-------------------------------------


Comments

Popular posts from this blog

كتاب " تكامل عمليات الأعمال مع نظام تخطيط موارد المؤسسات SAP ERP " ترجمة د.صالح السليم، د. همدان محمد الصبري